طول عمرى كنت محتاره بين القلب و العقل,كنت دايما شايفه العقل راجل كبير و عجوز و متمسك برأيه و مش بيغيره فكنت بتجاهله,اما القلب كان العكس تماما طفل صغير بيحب يجرى و بيلعب فى اى حاجه قدامه و مش بيفكر كتير لما بيحب اى حاجه يتمسك بيها اوى حتى لو اعدنا نقوله ده كبير عليك(لا لا لما تكبر...)..ده كان دايما تخيلى .
انا بصراحه كنت مصاحبه الطفل الصغير و بجرى و بلعب معاه و الراجل العجوز كنت كل يومين تلاته اروح اتكلم معاه ميعجبنيش رأيه اروح ماشيه و بعند اكتر اروح جرى للطفل الصغير و العب معاه و مفكرش فى كلام الراجل العجوز.
كنت دايما اقول :"هو دايما كده عمره ما هيفهمنى و لا هيحس بيا و مش واثق فيا انى عارفة اخد القرار الصح و كمان كلامه مش دايما بيطلع صح و هو دائه قديمه احنا فى القرن الواحد و العشرين دلوقتى"
و افضل العب مع الطفل الصغير و اعد اقول لنفسى:"ايوة كدة الواحد حر و منطلق و حاسس انه شباب و صغير و بيحب و بيغنى و الدنيا ملونه و الحياة حلوة اهى اومال ليه الدوشه اللى عملهالى عمو العجوز"
و كل يوم بليل ارجع الطفل الصغير بيته و ابص على العجوز فى كوخه القديم و اخد بعضى و اروح انا و ادخل الاوضه المحندأه بتاعتى و أقفل على نفسى الباب,و ابص حواليا على الحيطه و الأرضيه و السرير اللى متنعكش و المكتب اللى مليان كركبه و الحاجات اللى واقعه على الارض و اروح نايمه.
تانى يوم جه العجوز يقولى بعتاب" محتاجه تروقى المكتب و تنضفى الأوضه و الحيطه محتاجه تتدهن هتفضلى لحد امتى كده مش مرتبه اوضتك ولا نفسك"و انا احس بالذنب و اوعده انى هروح اوضب الاوضه و هعد اليوم كله لغاية ما اخلصها يروح بصصلى و يقول بصوت مش مقتنع اوى "لما نشوف" و يمشى......و انا اكون لسه بقول يا هادى الاقى صاحبى الصغير بيخبت عليا و يروح قايلى"يلى بقى مش هنلعب ده احنا وارنا حاجات كتير هنعملها النهاردة"...افكر ثوانى و اقوله "معلش مش هينفع النهاردة ورايا حاجات مهمه لازم اعملها و كمان انا وعدت العجوز انى هعملها مش عايزاه يزعل منى ,مره تانى اجى العب معاك"
راح الصغير بصصلى و بدأ يدبدب فى الأرض "لأ يلا دلوقتى و كمان ممكن تعملى كل اللى انتى عايزاه لما ترجعى و العجوز مش هياخد باله و هتخلصى اللى وراكى و فى نفس الوقت تلعبى معايا"فى الاول قلت لأ و اتمسكت برأيى بس كان تأثيره اقوى من ارادتى الضعيفه و فى الأخر طلعت العب معاه و نسيت حتى أقفل باب الأوضه.
و قلت ساعه و هرجع اعمل اللى ورايا..... عادت ساعه ساعتين تلاته لغاية لما الليل ليل و الصغير قالى "انا تعبت بقى انا داخل انام" يصيت لقيت اليوم خلص و انا معملتش حاجة و اليوم ضاع,قلت خلاص هروح و الصبح بدرى هخلص اللى ورايا.
رجعت للاوضه و الاقى كارثه حصلت...نسيت اقفل الباب الهوا و التراب دخلوا و الدنيا مطرت و الاوضه اتبهدلت كل ورقى و صورى و ذكرياتى و هدومى اللى بحبها اتبهدلوا و ضاعوا معدش فى حاجة سليمه حتى الاوضه نفسها اتبهدلت,بدل ما كنت هاخد يوم علشان انضفها هاخد شهور علشان ارجعها زى ما كانت و ارجع كل اللى ضاع و ادور عليه..... اعدت اقول لنفسى يا رتنى سمعت كلام العجوز مكنش ده حصل و لو كنت ثبت على رأيى قدام الصغير مكنش ده حصل....و كلمه "يا رتنى"مكنتش قلتها حتى.
اعمل ايه؟ اروح لمين؟ رحت جرى اقفله على نفسى و قلت لا العجوز و لا الصغير هيشفونى هما السبب فى اللى انا فيه ده....حتى الناس اللى عرفاها هبعد عن كل حاجه و افضل جوه اوضتى و كده مفيش حاجة تانى هتحصل و هتمسك باللى باقى..
و الأيام عدت و كل يوم الصبح العجوز يحاول يدخل و انا اقوله لأ,و الصغير يحاول يقولى تعالى نلعب و انا ازعق فيه و اقوله ابعد عنى..انتوا السبب... اصحابى وعلتى يقولولى نساعدك ندور معاكى و انا اقول ابعدوا عنى انا مش عايزه حاجة من حد
و فى يوم الشمس جت عليا , دخلت من حته فى الشباك مش عارفة لقيت طريقها ازاى للاوضه بقالى كتير محستش بالدفا ده على وشى بصيت كدة و قلت لما اجرب اطلع و اشوف يمكن احاول الاقى حاجة من اللى ضاعوا.طلعت و كنت خايفه جدا زى ما اكون اول مره اخرج من اوضتى قبل كده.
بصيت حواليا قبل ما اطلع اشوف فى ناس و لآ,و بعد كده طلعت ادور...... ملقتش حاجه غير بواقى و نصها معدش ينفع انه يتصلح رحت اخدت اللى باقى و قلت ادخل جرى قبل ما حد يشوفنى و لسه جايه ادخل فى شخص وقف فى طريقى و سألنى سؤال واحد "انتى رايحه فين؟هتستخبى و تهربى تانى؟" انا اتسمرت مكانى و رحت بصاله و قلت"و انت مالك؟انت تعرفنى منين؟انت مين؟"
_"انا عابر سبيل,لقيت اوضتك مضلمه و منظرها مبهدل فكرت اجى يمكن تكونى محتاجه مساعده حاولت اخبط لكن كنتى دايما تزعأى و تقولى ابعدوا عنى ,لقيت الشباك متوسخ فكرت انضفه شويه علشان النور يدخلك لقيتك طلعتى بعدت ,اشوف انتى هتعملى ايه؟و اللى توقعتوه حصل ,هتهربى زى ما عملتى قبل كده"
_"بس انت متعرفنيش منين عرفت ايه اللى حصل؟و كمان انا معدش عندى حاجة ,انا كل اللى عندى ضاع لا عندى ذكريات افتكرها و لا حاضر و لا مستقبل يبقى هعد اعمل ايه.الم اللى باقيلى و اقفل على نفسى الباب و اعد فى حالى بقى,عايز منى ايه؟"
_"عايزك ترجعى و تفتحى شباك اوضتك ازاز و شيش و تدخلى الشمس"
_"و الشمس هتعملى ايه و لا هتفيد بايه كله راح؟"
_"ده تفكير المستسلم"
_"انا مش شجيع السيما,انا انسانه وضعيفه كمان فبلاش تقول المستسلم انت تعرف ايه اصلا عن اللى حصلى"
_"اعرفك و اعرف العجوز واعرف الصغير....."
_"بتقول ايه؟انت قلت انت مين؟ازاى تعرفنا و تعرف اللى بنا؟"
_"العجوز العنيد فى كوخه وحيد....و الصغير الحر اللى الدنيا كلها بتعته مهما كان ده بيضر.....و البنت اللى عايشه فى النص مش عارفه هى عايزه ايه او بتعمل ايه؟"
_"لآ لآ انا اكيد بحلم,لآلآ انا متلخبطه انت مين قولى انت مين؟انت ازاى عرفنى و عارف كل ده انا فعلا تايه بنهم و محتاره كلام العجوز كان صح بس كان قاسى دايما....و كلام الصغير كان حلو على ودانى و بيحسيسنى انى حره بس كان دايما مش فى وقته"
_"مترميش غلطك على غيرك لازم تشيلى المسئوليه"
_"اشيلها!!! هو انا لو اعرف اجيبها تانى تفتكر هعرف اشيلها مش كفايه اللى ضاع منى"
_"مش واثقه"
_"منين هجيب الثقه؟دى حتى كمان ضاعت..."
_"و لو قلتلك انى هساعدك و هعرف ارجعلك الثقه؟؟؟"
_"اقولك اديلى دليل"
_"ليقل الضعيف بطل انا.يوئيل (3:10)"
_" انا ضعيفه بس مش واثقه انى هبقى قويه و هقول انى بطل"
_"قلت سبيى الثقه دى عليا"
بعد كلامنا عرضت عليه يدخل الاوضه........دخل معايا و بدأنا نتكلم و اعدنا نوضب الحاجات و نلم اللى ناقص نشوف هو فين و نضفنا الشبابيك و المكتب و السرير و الحيطه بدأنا ندهنها و علقنا الصور و اللى مش عايزينه بنرميه ...اعدنا فتره نوضب الاوضه مش عارفه اد ايه بس كانت طويله واتعودت على وجوده معايا و مع الوقت رجعت اوضتى زى ما كانت و احسن...و فى يوم قالى "انا لازم اكمل رحلتى بس اعرفى انا دايما موجود معاكى و كل لما تحتاجينى هتلاقينى و هكون دايما جمبك",و كمل هو رحلته و انا اخدت ثقتى تانى و بدات من اول و جديد,و ودعته.
و تانى يوم و انا اعده لاقيت العجوز طلع من كوخه و جالى يقولى"انا مش موافق على اللى حصل ايه اللى انتى عملتيه ده" بصتله كده و قلتله"تعالى اتفضل عندى نشرب نسكافيه سوى ولا أقولك عايز تشرب ايه؟" قالى "نسكافيه اجربه معاكى"عملت النسكافيه و اعدنا نتكلم و شرحتله و جهت نظرى و بعد ما كنا بنزعق فى بعد و مش بقتنع بكلامه لقيت انه مش قاسى اوى زى ما كنت فاكره,و وسط كلامنا الصغير جه و قالى "ايه ده انتى بتتكلمى معاه ازاى و بتضحكوا كمان,انتى مش هتيجى تلعبى معايا"قلتله"طب ما تيجى انت و تعد معانا و تسمع كلامنا يمكن رأيك يفيدنا او انت تستفيد مننا"و من اليوم ده و بدأت علاقتى تكبر مع العجوز و الصغير.....و مع الوقت الصغير بدأ يفكر و بدأ يكبر و العجوز بدأ بحس بيا و يكلمنى بهدوء كـنه رجع شباب من تانى.....
دى كانت حيرتى بين القلب الطفل الصغير و العقل الراجل العجوز,و عابر السبيل اللى بقى معايا فى كل لحظه فى حياتى و من غيره عمرى ما كنت هشوف النور و لا الشمس كانت لمست وشى من تانى.....